هل وجدت ذاتك؟
او بصيغة اخرى: هل أنت ذاتك التي تمنيتها وسعيت الى تحقيقها وبحثت عنها على مدى سنوات عمرك.او السنوات التي عشتها ـ على وجه الدقة ـ حتى طرحك هذا السؤال على نفسك او طرحه عليك من قبل الغير؟
لا تتعجل الاجابة، فهو سؤال، رغم البساطة التي يبدو عليها، الا انه بحاجة الى اعمال فكر وروية، اذ ربما دفعك الاعتداد بالنفس الى اتجاه بعيد عن الواقع، او دفعك الاحباط الى الاتجاه المعاكس، فتسرعت حيث يجب التريث، وغالطت نفسك حيث تجب المصارحة، وتنكبت الطريق الصحيح حيث يجب النظر جيدا الى مواقع الاقدام.
قديما سأل الفيلسوف اليوناني «ديوجين» الاسكندر المقدوني:
ـ بماذا يحلم سيدي؟
فأجابه الامبراطور:
ـ بأن احتل كل اليابسة واخضعها لسلطاني.
عاد «ديوجين» ليسأل من جديد:
ـ ثم ماذا يا سيدي؟
قال الأمبراطور:
ـ ثم احتل البحار السبعة.
لم يتوقف «ديوجين» عن السؤال فكرر:
ـ ثم ماذا؟
ـ بعد ذلك سأستريح (قال الامبراطور).
فرد «ديوجين»:
ـ فليخلد سيدي منذ الآن للراحة مادامت هي نهاية المطاف!
أي مغزى رمى اليه الفيلسوف الذي خرج في عز النهار حاملا مصباحه باحثا عن الحقيقة؟
هل أراد ان يكشف للامبراطور حقيقة ما، ام أراد ان يؤكد لنفسه هذه الحقيقة؟
لم يرد بالتأكيد ان ينافق الامبراطور او يجامله وهو الذي كان محبوبا لديه الى الدرجة التي دفعت الامبراطور للقول: «لو لم أكن الاسكندر الاكبر لتمنيت ان أكون ديوجين!».
ها هو الفيلسوف الزاهد يلقي على الامبراطور الحالم بحكم اليابسة والماء درساً آخر وهو يطل عليه من نافذة صومعته حاجبا عنه ضوء الشمس ليقول له:
ـ أي شيء تريد يا ديوجين وأنا اعطيك اياه؟ حتى لو كان نصف مملكتي!
نظر إليه «ديوجين» بعمق ثم قال:
ـ أريد ان لا تمنع عني الشمس!
فما كان من الامبراطور الا ان انصرف وقد استصغر ذاته بعد ان اكتشف ان نصف مملكته لا يساوي في نظر الفيلسوف ضوء الشمس الذي حجبه عنه، وربما كانت مملكته كلها لا تساوي شيئا لديه.